تحليل قصيدة تنتمي لسؤال الذات "غرفة الشاعر" انموذجا

📃 نموذج تطبيقي لتحليل قصيدة شعرية تنتمي لخطاب سؤال الذات "غرفة الشاعر" نموذجا 

📎 الثانية باك أداب وعلوم إنسانية وباك أحرار

نموذج تطبيقي تحليل قصيدة شعرية ذاتية

غُرْفَةُ الشَّاعِرِ

أيها الشَّاعرُ الكئيبُ مضى الليـ
 
ـلُ وما زلتَ غارقًا في شجونِكْ
مُسْلِمًا رأسَكَ الحزينَ إلى الفكـ
 
ـرِ، وللسهدِ ذابلاتِ جفونِكْ
ويَدٌ تُمسكُ اليراعَ وأخرى
 
في ارتعاشٍ تمرُّ فوقَ جبينِكْ
وفمٌ ناضبٌ به حَرُّ أنفا
 
سكَ يطغى على ضعيفِ أنينِكْ

•••

لستَ تُصغي لقاصف الرعدِ في الليـ
 
ـلِ، ولا يزدهيكَ في الإبراق
قد تمشَّى خِلالَ غرفتِكَ الصمـ
 
ـتُ ودبَّ السكونُ في الأعماقِ
غيرَ هذا السراجِ في ضوئِه الشَّا
 
حبِ، يهفو عليكَ من إشفاقِ
وبقايا النيرانِ، في الموقد الذَّا
 
بل، تبكي الحياةَ في الأرماقِ

•••

أنتَ أذبلت بالأسى قلبك الغضَّ
 
وحطَّمتَ من رقيقِ كيانكْ
آه يا شاعري، لقد نصلَ الليـ
 
ـلُ وما زلتَ سادرًا في مكانِكْ
ليس يحنو الدُّجى عليك ولا يأ
 
سى لتِلك الدموعِ في أجفانِكْ
ما وراءَ السُّهادِ في ليلك الدَّا
 
جي، وهلَّا فرغتَ من أحزانِكْ؟

•••

فَقُم الآنَ من مكانِكَ واغنمْ
 
في الكرى غَطَّة الخليِّ الطَّروبِ
والتمسْ في الفراش دِفئًا يُنَسِّيـ
 
ـكَ نهارَ الأسى وليلَ الخطوبِ
لستَ تُجْزَى من الحياةِ بما حُمـ
 
ـلتَ فيها من الضَّنى والشحوبِ
إنها للمجونِ، والختلِ، والزَّيـ
 
ـفِ، وليستْ للشَّاعر الموهوبِ!

✔ الإنجاز :

👈 التحليل المتماسك الشامل القصيدة  على الشكل الآتي:

  ◀   الشعر الذاتي حركة شعرية تمردت وثارت على مقومات وخصائص الشعر الإحيائي، وأعادت الإعتبار لذات الشاعر بعد ما كانت من مهمشة عند الإحيائيين. ظهرت نتيجة مجموعة من العوامل؛ كالصحافة والطباعة والترجمة، علاوة على مجهودات المدارس الرومانسية؛ الديوان والرابطة القلمية وأبولو. لقد اتسم الشعر الذاتي بجملة من الخصائص؛ كتوظيفه لغة سهلة بسيطة شفافة، زيادة على الوحدة العضوية، إلى جانب أن الصورة الشعرية أصبحت تعبر على ذات الشاعر، ومن بين الذين  الرواد الذين وظفوا هذه السمات في قصائدهم الشعرية نجد الشاعر جبران خليل جبران ميخائيل نعيمة وأحمد زكي أبو شادي و علي محمود طه صاحب هذه القصيدة الموسومة بغرفة الشاعر؛ فمن خلال عنوانها والبيت الأول والأخير فإننا نفترض أن النص سيبرز لنا معاناة الشاعر داخل غرفته. إذن: ما مضمون القصيدة؟ وما خصائصها البنائية والفنية؟ وإلى أي حد مثلت خصائص ومقومات الشعر الذاتي؟.


◀       بعد قراءتنا للقصيدة قراءة متأنية وفهمنا لمعاني أبياتها، فإننا نستشف أن الشاعر علي محمود طه، استهل قصيدته بالتعبير عن حالته الذاتية الحزينة، كما وصف كل الأشياء الموجودة بغرفته وبين مدى تأثيرها عليه، لكن عزيمته وارادته  وهمته جعلته يتفاءل بنظرة الأمل من أجل تجاوز محنة التشاؤم والفشل.


◀       وبانتقالنا إلى تحليل النص وتفكيك أجزائه، فإننا نستهله بالمعجم الذي توزع في هذه القصيدة إلى حقلين دلاليين؛ الأول دال على الذات وتمثلها ألفاظ وعبارات كالشاعر والكئيب وشجونك وجفونك. أما الحقل الثاني فيدل على الغرفة ونمثل له بالغرفة والسكون والفراش علاوة على الموقد والنيران. إن المتأمل في ألفاظ وعبارات الحقلين سيلحظ جليا أن الحقل الدال على الذات هو المهيمن لأن الشاعر أراد أن يبرز لنا معاناته الذاتية داخل غرفته، وبذلك فالعلاقة بين الحقلين هي علاقة ترابط وتكامل وانسجام. لقد توسل الشعر بمجموعة من الصور الشعرية أهمها الإستعارة الموجودة بالبيت الثامن فقال تبكي الحياة؛ فاستعار الشاعر البكاء من الإنسان وأسنده للحياة؛ فحذف الانسان وذكر لازما من لوازمه وهو الإنسان على سبيل الإستعارة المكنية التي أراد الشاعر ان يكشف لنا عن معاناته ومأساته وألمه. إن المتأمل في هذا النص سيلحظ أنه يتسم بعناصر إيقاعية عديدة أولها البنية الإيقاعية الداخلية فالشاعر نظم قصيدته على وزن بحر الخفيف و اعتمد على التنوع في الأرواء؛ كالكاف والقاف والباء، علاوة على تنوعه في القافية؛ قافية مطلقة كالإبراق( راق/0/0) وقافية مقيدة كشجونك (جونك /0/0)
إلى جانب البنية الإيقاعية الداخلية المتمثلة في  التكرار؛تكرار الحروف كالشين واللام والميم و تكرار الألفاظ: الشاعر والغرفة والليل وقد اعتمد الشاعر على التكرار ليؤكد ويبرز معاناته الذاتية  الداخلية علاوة على أنها تلاءمت مع الإيقاع الموسيقي لبحر الخفيف. لقد توسل الشاعر بأسلوب الطباق المتمثل في الليل ضد النهار الدفء مقابل الارتعاش، إلى جانب  أسلوب الترادف كالليل الذي يدل على الدجى و الصمت الذي يناسبه في المعنى السكون. أما الجناس فحاضر من خلال الجناس غير التام كالأعماق والأرماق زيادة على كيانك ومكانك، كما وظف الشاعر التوازي الصوتي والتركي ونمثل لهما بالشطر الثاني من البيت الأول والشطر الثاني من البيت العاشر. لقد عبر الشاعر عن كآبته وحزنه ومعاناته بأساليب خبرية مهيمنة على القصيدة؛ ونمثل لها بقوله في البيت الثالث، ويد تمسك اليراع، وأخرى في ارتعاش. كما وظف أساليب إنشائية طلبية؛ كأسلوب النداء، يا أيها الشاعر الكئيب، وأسلوب الاستفهام، هلا فرغت من أحزانك، وأسلوب الأمر، قم من مكانك، ووظف هذه الأساليب ليخبرنا بحالته الذاتية الحزينة ويكشف عن مرارة آلمه ومعاناته. 


◀       وخلاصة القول، هكذا نستنتج أن هذه القصيدة الموسومة بغرفة الشاعر، للشاعر علي محمود طه، هي قصيدة شعرية تنتمي إلى الشعر الذاتي، فمضمونا عبر الشاعر عن معاناته الذاتية داخل غرفته. أما شكلا فقد زاوج بين حقلين دلاليين؛ الأول دال على الذات والثاني على الغرفة، كما وظف صورا شعرية متنوعة ابرزها الإستعارة، علاوة على توظيفه بحر الخفيف ونوع في قوافي وأرواء قصيدته، إلى جانب التكرار والطباق والترادف والجناس. زيادة على أن الشاعر أخبرنا عن حالته الكئيبة بأساليب خبرية وانشائية طلبية متمثلة في النداء والاستفهام والأمر. وبذلك فإن الشاعر علي محمود طه، بما أنه عبر عن ذاته ومشاعره، ووظف لغة شفافة وسلسة وواضحة، ووظف الوحدة العضوية، وان الصورة الشعرية عكست مشاعره وأحزانه، فبذلك هذه القصيدة تمثل شكلا ومضمونا إلى الشعر الذاتي.

تحليل قصيدة "غرفة الشاعر" ضمن خطاب سؤال الذات  من تقديم الأستاذ افريدو عبد اللطيف 



بالتوفيق 🌹
افريدو عبد اللطيف

مؤطر تربوي و أستاذ مادة اللغة العربية للسلك الثانوي التأهيلي ، حاصل على الماستر في الدراسات العربية. هدفنا تكوين فضاء تعليمي حديث من خلال إثراء المحتوى التعليمي بالمغرب و إعتماد التعليم عن بعد . facebook whatsapp youtube

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم